خَرَف ...

بيوت من التأملات ، اخشاب من الأفكار ، أبراج من الشعور ، اكوام من الذكريات والخيبات والنجاحات  ، جمعتها هذه الليله بعيداً عن عيون الناس وبالأخص انت ،
والآن عليّ ان اكون بعضا من مهندسي المعمار ومصممي الديكور بعيداً عن المبالغة وقريبا جدا من الاشياء التقليديه والكلاسيك وأغني " انا ياصاحبي دقّة قديمة" . فأي بناء سأبني وأي قصورٍ ستكون من اللا شيء ! بناء من كل شيء ، فـ أي ملامح سأهبها له ليبهج  العين !.. وأي الوانٍ سيرتديها ؟!
في لحظة ما نتجرد من غرورنا وثقتنا بأنفسنا وتعظيم انجازاتنا لنجد اننا خالين تماما من اي شيء ،  و كل شيء، نكتشف اننا كائنات تبحث عن متعتها وكمالها وتعلم انها لن تصل اليه لتصاب في نهاية الطريق بحالة استسلام رهيبة وإحباطٍ كامل ، تفقد القدرة على كل شيء الا التنفس ،لذلك نصاب نحن بني البشر عندما نكبر بما يسمى بالخرف أو  ألزهايمر ، نفقد القدرة على التذكر والإستسلام الى النسيان  في نهاية المطاف . كـ نوع من انواع الاحباطات والإستسلامات الكبيرة والمؤذية جداً لخلايا المخ..

سبقتني صديقة ما لهذا الاكتشاف عندما وضعت على باب غرفتها لوحة تحمل عبارة " لا افكار لا شعور .. لا شيء ابداً" عندما جاهدت في هذه الدنيا بكل شيء كانت تؤمن به آو لا تؤمن ، بكل  مبدأ كانت معه أو ضدة ، جربت كل شيء ، كل شيء ، واغلقت غرفتها الى ان ماتت بها ، بعد ان كانت تضحك على جملتها  العجوز القابعة  في  نهاية الشارع وتقول لها كل صباح " لسى ع الشقى" ، لم اكن اعلم ان تلك العجوز صابرة الى ذلك الحد من الألم ، من اللا مبالاة ،  كانت مصابة من عمر مبكر بما يسمى بالخرف ، فهي ايضاً استسلمت من دون ان تعي ذلك ، استسلم عقلها قبل ان  تفكر بالإستسلام .
وللأسف لا ازال في ريعان شبابي ، لم أكن تلك العجوز ! ولم اكن كـ صديقتي ، لكني احمل نصفَ لوحتها ، ابحث عن النصف الآخر في مكان ما ، ابحث عن جدارٍ اثبتها فيه ، لن اضعها على باب الغرفة ، ولم اجد مسماراً ولا مطرقة ، اشعر انهم يهربون مني ، اشعر انهم يرفضون  اللاشيء ، يرفضون الاستسلام ، اشعر ان عقلي مقلوب ، اشعر انه فارغ جداً للدرجة التي لا اعلم ماقلته وماسأقوله هنا ، للدرجة التي لم اعد اعلم كيف ننسج من مشاعرنا كلمات ، عبارات ، جمل ، قصص ، لو حتى كلمةً ياعقلي .. لو حتى كلمة .
احدهم قال لي " عندما نكتب نتشارك مع الناس بعض اوهامنا وهزائمنا الصغيرة" .. انتهى..  وهزائمنا الكبيرة مع من نشاركها ؟ مع من نحتفل بها ونراقصها ؟ اذا لم تسعها كلماتنا وسطورنا من سيسعها ؟ !
اعتقد هنا انني اكتب اطول نص منذ ان كنت في سن التاسعة وادرجت مادة التعبير في جداولنا ، منذ ان كان تقديري "مقبول\ جيد" فيها  ، الى عمري هذا ، واعلم من الوهلة الأولى انه مترهل جداً ، لأني اكتبه على صوت قطرات الماء من المغسلة وصوت مروحة غرفة ابي ، وايضاً للمرة الأولى اكتب وانا مستلقية بسريري لا يتحرك شيء فيني إلا يدي ،
اتوقع انني بالغت في تبليل الحبل كثيراً حتى عقدته ، اتوقع ان ذلك يكفي .
انتهى مابدر مني (نقطه)
 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق